يتجسد يوم الثقافة الوطنية الفلسطينية بالفعل الوجودي للجد الكنعاني الأول وارتباطه بأرضه التاريخية المتواصل جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا، وتجلياته الثقافية التي أمدت الإنسانية بنتاجات إبداعية خلاقة في كافة المجالات، بوصفها جزء أصيلاً من الثقافة الإنسانية القائمة تكريس القيم البشرية السامية ومعاني الحوار والتلاقح الحضاري.

فما تزال الرواية الفلسطينية القائمة على نشر السلام والمحبة والتعايش قائمة ومتواصلة، حيث تمثل فعلها في صورة جلية منذ اللحظة التي أسس فيها ملكي صادق ملك اليبوسيين مدينة السلام وأسماها أورسالم (وأور تعني مدينة). وعلى الرغم من الحروب العاصفة التي واجهتها المدينة المقدسة، بما في ذلك احتلالها من قبل الاسرائيليين عام ١٩٦٧، إلا أنها ما تزال عاصمة للاشعاع الروحي والحضاري الانساني، بملامحها المسيحية والاسلامية التاريخية، تلكَ التي يسعى المحتل الاسرائيلي لمحوها سبيلاً لتهويد المدينة المقدسة، في محاولة يائسة لفرض مزاعمه المضللة. لقد أسقط الفلسطيني بدفاعه عن فكرته الوجودية على أرضه، وبفعله الثقافي  والانساني المبدع  الزعم الاسرائيلي الزائف الذي قامت على أساسه دولة الاحتلال "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وتأكد للعالم أجمع أن دولة الاحتلال قامت في عام ١٩٤٨ على أنقاض ثقافة شعب لا يزال جزء أصيلا من العائلة الانسانية الكبرى بما يقدمه من قيم انسانية وثقافية وحضارية تغني الروح الانساني بالجديد والمبدع.

ولم يكتف المحتل الاسرائيلي باقتلاع  الجزء الاكبر من الشعب الفلسطيني عن أرضه بل قام بتدمير معالمه الثقافية والحضارية، بما في ذلك دور السينما والمسرح وسواها التي كانت بمثابة معالم حضارية خصوصية تدل على تطور الحياة الثقافية والابداعية في فلسطين قبل الاحتلال.

فقد كان المسرح الفلسطيني جزء من الحياة الثقافية في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر، أي في فترة الحكم العثماني، وتم تأسيس المسرح الفلسطيني واضح المعالم في عام ١٩١٨ أي في فترة الانتداب البريطاني.

واستمر المسرح الفلسطيني في عملية الابداع والتواصل تحت الاحتلال الاسرائيلي وفي الشتات، وحصلت عروض كثيرة قدمها على حوائج عربية وعالمية. والأمر نفسه ينطبق أيضاً على السينما والتي يقترب عمرها من القرن. فيما تأسس أول ستوديو في فلسطين لانتاج الافلام السينمائية والوثائقية في عام ١٩٣، وحمل أول اسم سينمائي طويل اسم "عاصفة في بيت"، ورصد أول فيلم وثائقي زيارة الملك السعودي بعد العزيز آل سعود لفلسطين  وتنقله بين اللد والرملة. كما كانت دور السينما في غزة مثلا تتنافس أو تتناوب مع دور السينما في القاهرة على العرض الأول للأفلام الأجنبية.  وما يزال الفيلم الفلسطيني في فلسطين  تحت الاحتلال او في الشتات يؤكد حضوره عربيا ودوليا ، ويحوز على جوائز عربية وعالمية كثيرة.

كما تتجلى الرواية الفلسطينية بأبعادها الحضارية والثقافية  قبل الاحتلال الاسرائيلي، و تحت الاحتلال، وكذلك في الشتات في الشعر والقصة والرواية الفلسطينية. فقد كان المبدعون الفلسطينيون في هذه الفنون الابداعية رواداً أثروا العملية الأدبية العربية والانسانية في الوقت الذي أكدوا فيه حقهم في أرضهم التاريخية ، ودفاعهم عن عدالة قضيتهم، وتناقضهم مع شرعة الاحتلال القائمة على المحو والالغاء، بتقديم القضية الفلسطينية قضية انسانية قائمة على التعايش والسلام والقيم الانسانية العليا.

ولهذا، احتضنت لغات عالمية، بما فيها الروسية، ابداعات الكتاب الفلسطينيين، وحصل كثير منهم على جوائز عالمية كثيرة، من بينها جائزة لينين عام ١٩٨٣ التي حصل عليها الشاعر محمود درويش. لقد ترجمت ابداعات الكتاب الفلسطينيين في فلسطين تحت الاحتلال وفي الشتات الى الروسية مثل روايات غسان كنفاني واميل حبيبي ويحيى يخلف و رشاد أبو شاور، وأشعار محمود درويش وسميح القاسم و توفيق زياد و معين بسيسو وسواهم.

ولأن هؤلاء المبدعين شكلوا حالة ابداع مؤثرة عالمياً فقد قامت أجهزة الإحتلال الاسرائيلي بملاحقة واغتيال بعضهم، مثل غسان كنفاني وماجد أبو شرار والفنان ناجي العلي وسواهم.

ولم تكتف اسرائيل بذلك، فقد حاولت سرقة الثوب الفلسطيني، حيث قامت بارتدائه مضيفات شركة العال الاسرائيلية، لكنها توقفت عن ذلك تحت ضغط فلسطيني وعالمي كبيرين. الجدير ذكره أن الثوب الفلسطيني يحمل رموز الحضارات والثقافات الانسانية التي شهدتها فلسطين منذ أقدم العصور. والأمر نفسه حاولت اسرائيل القيام به بسرقة الموسيقا الفلسطينية، والمطبخ الفلسطيني، وسواها في محاولة يائسة لمحو الأثر الفلسطيني التاريخي في فلسطين. لقد أكدت قرارات الشرعية الدولية ومنظمات دولية مثل اليونيسكو الأحقية السياسية والثقافية للفلسطيني على أرضه، لتنسف ادعاءات الاحتلال الاسرائيلي المزيفة.