بشكل عام، ارتبطت فكرة الأمم المتحدة في أذهان الفلسطينيين بمجلس الأمن، أو "بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا) وبأنها، أي الأمم المتحدة، تتعامل مع المواضيع السياسية فقط، أو تقدم المساعدات للاجئين الفلسطينيين، وقد عزز هذه الفكرة التاريخ الطويل والمرير للشعب الفلسطيني مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبسببهما، إلى جانب التركيز الإعلامي العالمي على المواضيع السياسية التي تتعامل معها الأمم المتحدة وإهماله باقي المواضيع التنموية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها الكثير والتي تشكل الجزء الأكبر من أجندة عملها. وليس غريبا أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني لا تعرف شيئاً عن لجان عمل الأمم المتحدة الستة المختلفة والتابعة للجمعية العامة، أو عن المجموعات والتكتلات الجيوسياسية التي تجمعها خصائص جغرافية وتحديات تنموية واحدة مثل مجموعة الدول الافريقية، والبلدان الأقل نمواً، والبلدان غير الساحلية النامية، وغيرها من التصنيفات المعتمدة، وهذا بالطبع أمر يمكن فهمه وتقديره واستيعابه.
يبلغ عدد سكان العالم حوالي 7 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 9 مليار مع حلول العام 2050، حوالي 11% منهم لا يزالون يرزحون تحت الفقر، 32 مليون إنسان يموتون بسبب الأمراض غير السارية، 800 ألف انسان يموتون انتحاراً كل عام. على المستوى العالمي، كان معدل المشاركة في التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم الابتدائي 70 في المائة في عام 2016. فقط 39% من سكان العالم استخدموا خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، ولا يزال 844 مليون شخص حول العالم يفتقرون حتى إلى مستوى أساسي من خدمات المياه، بينما لا يزال هناك قرابة الـ900 مليون انسان يمارسون التغوط في العراء. حوالي مليار إنسان يعيشون بدون القدرة إلى الوصول مطلقا إلى الكهرباء، فيما لايزال 3 مليار إنسان يعتمدون على الوقود المُلوث للطبيخ، إلى جانب ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة من فرص وتحديات سيما في موضوع العمل. كل هذا وغيره الكثير جداً يشكل هاجس البشرية ويؤرق الحكومات والمعنيين باستتباب السلم والأمن الدوليين، ولذا فإنه من الطبيعي أن نجد أن أكثر من 70% "حسبما أشار لذلك وفي مناسبات عدة كل من الأمين العام ورؤساء الجمعية العامة للأمم المتحدة" من أجندة عمل الأمم المتحدة تتعلق بالتنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة "الاقتصادية والاجتماعية والبيئية" مع ما يتفرع تحت هذه الأبعاد الثلاث من مواضيع أكثر تخصصا.
منذ دخول فلسطين، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عتبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفتها مراقب، بموجب قرار الجمعية رقم 3337 الصادر في 22 نوفمبر 1974، وصولا لصفة دولة مراقب بموجب قرار الجمعية العامة "67/19" الصادر في 29 نوفمبر 2012، ورفع علم دولة فلسطين في مقر الأمم المتحدة في 10 سبتمبر 2015 بموجب القرار 320/69. اعتادت دولة فلسطين التعامل مع كافة البنود المدرجة في أجندة عمل الأمم المتحدة من الزاوية الخاصة بالحالة الوطنية، وبما يضمن عكس هواجس ومشاغل الدول والشعوب الرازحة تحت الاحتلال الأجنبي في أجندة العمل هذه. تاريخيا سجلت بعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة نجاحات متواصلة في هذا السياق، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، في مؤتمر ريو 1992، ومؤتمر ريو +20 المعنيان بالتنمية المستدامة، حيثُ نجح الوفد الفلسطيني في إدراج اللغة الخاصة بالدول والشعوب الواقعة تحت الاحتلال في مخرجات هذه المؤتمرات "المبدأ 23، والفقرة 27" على التوالي، كذلك نجح الوفد الفلسطيني مدعوما بموقف موحد من مجموعة الـ77 والصين بإدراج اللغة المتفق عليها في ريو +20 في خطة "تغير عالمنا: أجندة التنمية 2030" (Transforming our world: the 2030 Agenda for Sustainable Development )، وتحديداً في الفقرة 35، نجاحات مهمة لم يكن بالإمكان تحقيقها بدون موقف المجموعة الأم نفسها، أي مجموعة الـ77 والصين.
تتعدد المجموعات الجيوسياسية كالاتحاد الاوروبي والذي يضم 28 دولة أوروبية، ومجموعة الـ77 والصين والتي تضم 134 دولة بما فيها دولة فلسطين إلى جانب جمهورية الصين الشعبية، وينضوي تحت مجموعة الـ77 والصين مجموعات أخرى، "تشترك البعض منها في أكثر من تصنيف" (البلدان الأفريقية "54"، أقل البلدان نمواً "47"، والبلدان النامية غير الساحلية "25"، والدول الجزرية الصغيرة "57"، والبلدان في حالات النزاع وما بعد النزاع، وكذلك البلدان والشعوب الواقعة تحت الاحتلال) كما اعتمدها قرار الجمعية العامة 243/71، الصادر في 21 ديسمبر 2016، في فقرته العاشرة، مجموعات لها شواغلها التنموية الخاصة وتعمل كل مجموعة على عكس هواجسها التنموية على جدول أعمال المجموعة الأم، ولذا نجد هذه المجموعات تتكتل وتنظم نفسها لاستغلال كل فرصة متاحة لتقدم وجهات نظرها في كافة المؤتمرات والمنابر التي تعقد برعاية الأمم المتحدة على الرغم من وجود المجموعة الأم الا وهي مجموعة الـ77 والصين.
اليوم، وبعد نضال طويل، انتخبت مجموعة الـ 77 والصين دولة فلسطين لرئاستها لمدة عام كامل، يبدأ مع الأول من يناير القادم، عام مليء بالعمل والسعي المتواصل لإدارة أجندة عمل المجموعة بأفضل السبل، ويتمحور السؤال المهم حول ما لنا وما علينا، ما الذي ستضيفه هذه الرئاسة للرصيد الفلسطيني على الساحة الدولية؟
في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل مدعومة بقوة عظمى على شطب فكرة الدولة ونزع الشرعية عن التمثيل الفلسطيني على الساحة الدولية، فإن انتخاب 134 دولة يمثلون 80% من سكان المعمورة لدولة فلسطين، وقبولهم بالرئيس محمود عباس رئيسا للمجموعة له دلالة مهمة سواء من حيث التوقيت أو الرسالة السياسية، هذا الانتخاب هو استفتاء لا يترك مجالاً للشك بأن فلسطين كدولة ومؤسسة تمثيلية مقبولة ومعترف بها من قبل المجتمع الدولي وعليه أعطيت الثقة لقيادة أهم أجندة دولية، ألا وهي أجندة التنمية المستدامة بكل تجلياتها وأبعادها. وبهذا تكون دولة فلسطين قد أخرجت نفسها من نطاق الخاص والأنا إلى نطاق العام والكل، مع ما يتطلبه ذلك من إعطاء الأولوية للتفكير الكلي الواسع كمظلة لطريقة تفكيرنا في القضايا التي تخص البشرية جمعاء، وعلى رأسها قضايا تغير المناخ، والتصحر وتدهور الأراضي، وحفظ البحار وتحمض المحيطات، والأمراض غير السارية، وتخفيض الفقر، والطاقة المتجددة، والبيئة والتلوث، وتمكين المرأة والنهوض بها، وقضايا الشباب، والشعوب الأصيلة، ونقل التكنولوجيا، وحماية النظم الايكولوجية البرية وترميمها، والاستهلاك والانتاج المستدامين، وعدم المساواة بين البلدان، سواء بعضها البعض أو داخلها نفسها، والبنى التحتية المستدامة، والتدفقات النقدية غير المشروعة، والهجرة، والمهاجرين سواء في دول المنشأ وبلدان العبور ودول المقصد، والتحويلات المالية للمهاجرين. كذلك التفكير بقضايا تعنى بها المجموعات الجيوسياسية ذات التحديات المشتركة مثل خطة 2063 المعنية بالتنمية في إفريقيا، وإجراءات العمل المعجل للدول الجزرية الصغيرة النامية "ﻣﺴــﺎﺭ ﺳــﺎﻣوﺍ"، وبرنامج عمل فيينا للبلدان النامية غير الساحلية للعقد 2014-2024.
دولة فلسطين، ممثلة بوزارة الخارجية والمغتربين، والبعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، ومن خلال رئاستها للمجموعة ستحوز على فوائد عدة، منها السياسية والتقنية أي مراكمة الخبرة وفي الاستعراض اللاحق أحاول جاهداً تقديم وجهة نظر بنيتها بعد سنوات أربعة في هذا العمل، تخللها نقاشات مطولة مع السفير الدكتور رياض منصور، والزملاء في البعثة، والبعثات الأخرى الذين خاضوا تجربة العمل في مجموعة الـ77 والصين، فإذا ما شابها بعض القصور فهذا لأنني لا زلت أتعلم.
ستثبت دولة فلسطين أنها ليست عبئاً سياسياً على مجموعة الـ77 والصين كما يُسوِّق البعض، ذلك أن هذه المجموعة، وعلى مدار عمرها الطويل حملت عبء دعم القرارات التي تعني دولة فلسطين كقرار "الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الارض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والسكان العرب في الجولان السوري المحتل"، وكذلك قرار "السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الارض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية"، وهي قرارات تعتمدها الجمعية العامة بالإجماع كل عام على التوالي. وعليه، وبترأس فلسطين للمجموعة فإنها تعلن عن قدرتها وقابليتها ورغبتها الأكيدة في حمل وإدارة عبئ العمل بالنيابة عن جميع دول المجموعة بأمانة ونزاهة وشرف. وللقيام بهذه المسئوليات الجسام ستحشد دولة فلسطين كوادرها القادرين للعمل في إدارة المجموعة خلال هذا العام، الأمر الذي يعني إضافة معرفية لا يمكن أن تتكرر للكادر الفلسطيني في مناحي التنمية الثلاثة "الاقتصادية والاجتماعية والبيئية" وحصيلة معرفية كبيرة في آلية عمل منظومة الأمم المتحدة الإدارية والمالية، إلى جانب معرفة معمقة في عشرات المواضيع المتخصصة.
منظومة الأمم المتحدة بشكل عام، وتلك المعنية بالتنمية "UNDS" بشكل خاص، بيئة عمل معقدة ومتشعبة ومتسلسلة ويتفرع عنها ويتشابك ويتقاطع معها حوالي 84 منظمة وبرنامج متخصص وكيان، بعضها أكثر قِدماً من الأمم المتحدة نفسها، وعليه، فإن خوض فلسطين لهذه التجربة بما لها من منافع وامتيازات، وما عليها من مسؤوليات وتحديات وتعليم بالعمل، سيفتح بالتأكيد أذهاننا لأبواب كثيرة لم ندخل منها من قبل، سواء ككوادر بشكل منفرد، أو بعثة فلسطين، أو الوزارات الفلسطينية المختلفة والمعنية وذات العلاقة، وستعلمنا بالتأكيد التجربة ما لا يمكن لنا أن نتعلمه إن لم نخض التجربة نفسها. كذلك فإن بيئة منظمة الأمم المتحدة الانمائية بمختلف برامجها ووكالاتها المتخصصة غير مقتصرة على مقر نيويورك، أي المقر الرئيسي، فهناك أيضا مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO) في جنيف، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة(UNEP) في نيروبي بكينيا، ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) في روما بإيطاليا، وما إلى ذلك الكثير من مختلف البرامج والكيانات المتخصصة والمنتشرة حول العالم. من خلال عملنا اليومي سنعرف أكثر وأكثر عن هذه البيئة وحيثما كان لأي من هذه الكيانات والبرامج نشاط وعمل، فإن هذا سيشكل فرصة مهمة لتنسيق عمل سفارات دولة فلسطين وكوادرها المعنيين، سواء في بلاد المقرات "جنيف، إيطاليا، نيروبي... الخ"، أو في مقر الوزارة نفسه "مختلف الوزرات الفلسطينية"، الأمر الذي يعني حصيلة معرفية أكبر وأوسع نستطيع ترجمتها بإنجازات مستقبلية في عملنا.
ونحن على أعتاب عقد مؤتمر الأمم المتحدة الثاني للتعاون بين بلدان الجنوب (BAPA+40) في مدينة بيونيس أيرس من 20 إلى 22 مارس 2019 المعني بالتعاون ونقل التكنولوجيا بين دول الجنوب، وكذلك الجنوب شمال إلى جانب التعاون الثلاثي، فإنه تقع على عاتق دولة فلسطين التفاوض على مخرجاته "بموجب الولاية الممنوحة في قرار الجمعية العامة 318/71 الفقرة 1، الفرع. د"، الصادر في 28 أغسطس 2017، ولأنه يأتي بمناسبة أربعون عاماً على مؤتمر بيونيس أيرس بالأرجنتين والذي اعتمدت فيه خطة عمل بيونيس أيرس لنقل التكنولوجيا بين دول الجنوب، فإن العالم كله يولي أهمية كبيرة لمخرجات هذا المؤتمر، سيما أنه يأتي أيضا بعد اعتماد كل من خطة أديس أبابا لتمويل التنمية " 2015 " و"تحويل عالمنا: خطة التنمية 2030 بأهدافها السبعة عشر". الوثيقتان المشار إليهما، واللتان تعتبران ركيزتا العمل التنموي الحالي والمستقبلي، كانتا قد تناولتا الهدف 17 المعنون "التعاون بين بلدان الجنوب"، نظراً لدورهما المحوري في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتخفيض الفقر. المفاوضات على الوثيقة الختامية ستمر بمرحلتين، الأولى داخل المجموعة نفسها، والثانية مع الشركاء الدوليين "الشمال"، وفي كلتا الحالتين سيكون هناك أزمات وتعقيدات، ففي داخل المجموعة نفسها هناك تباين في المواقف حول بعض الأمور التنموية، وهذا يتطلب من بعثة دولة فلسطين بصفتها رئيسة المجموعة التدخل للتنسيق بين المواقف وتقريب وجهات النظر، أما مع المجموعات الأخرى "الشمال تحديدا" فستكون المواقف أكثر تباينا بيننا في المجموعة وبينهم سيما عند التطرق لمبادئ سبق وأن اتفقنا عليها ويحاولون قدر المستطاع الابتعاد عنها "كمبدأ مسئولية مشتركة ولكن متباينة" "(CBDR) Common But Differentiated Responsibilities"، وكذلك آليات نقل التكنولوجيا والتي يصر الشمال على أن يكون "نقل التكنولوجيا بشروط متفق عليها بصورة متبادلة"، وهي نقطة خلافية لأن وجود شروط متفق عليها بصورة متبادل يُعقد نقل التكنولوجيا، ويجعل كل لكر طرف تفسيره الخاص، وهذا يتطلب تواصلاً مكثفاً ما بين رئيس مجموعة الـ77 والصين ورؤساء المجموعات الأخرى الجالسين على طاولة التفاوض، إلى جانب ما يتطلبه ذلك من مهارة لدى الرئيس لشرح وجهة نظر المجموعة عند قيادة الأمم المتحدة، ممثلة بالأمين العام ورئيس الجمعية العامة إلى جانب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وغيرهم من أصحاب المصلحة الفاعلين. كل هذا يعني أن فلسطين ممثلة بالسفير الدكتور رياض منصور ومساعديه المختصين ستكون حاضرة في أذهان الجميع بشكل يومي ومختلف "هذه المرة".
في الفقرة 132 من خطة عمل أديس أبابا لتمويل التنمية AAAA لعام 2015، اتفقت الأسرة الدولية على عقد منتدى سنوي لتمويل التنمية، وسيقع على عاتق دولة فلسطين عملية التفاوض على مخرجات منتدى تمويل التنمية هذا، حيث سيتم إدراج استنتاجات وتوصيات هذه المفاوضات الحكومية ضمن "المتابعة الشاملة واستعراض تنفيذ خطة تحويل عالمنا" وذلك في "المنتدى السياسي رفيع المستوى بشأن التنمية المستدامة" .(High-Level Political Forum) مخرجات المنتدى هي وثيقة يتم التفاوض عليها مع جميع الشركاء بعد الاطلاع على التقرير الصادر عن "فريق العمل المشترك بين الوكالات المعنية بالتمويل من أجل التنمية (IATF)" والذي توافقت حكومات العالم عليه، أيضا في الفقرة 133 من أجندة أديس أبابا، هذا التقرير يستعرض التقدم المحرز في الأبواب السبعة التي نصت عليها خطة عمل أديس أبابا ويستعرض كذلك في متن التقرير، التقدم المحرز في تمويل وتنفيذ خطة تحويل عالمنا، ويبين الثغرات ويقدم المشورة والتوصيات بشأن الاجراءات التصحيحية لعمليات تمويل التنمية، وتكمن الصعوبة في التفاوض على هذه الوثيقة الحكومية في أنها بالأساس بين دول الشمال "المانحين" ودول الجنوب "الدول النامية" وتقوم عملية التفاوض لضمان خروج وثيقة تجسر الهوة بين الجهتين مستندين على ما تم الاتفاق عليه نظريا "خطة عمل أديس أبابا لتمويل التنمية" وما يحدث على أرض الواقع "تقرير فريق العمل المشترك بين الوكالات المعنية بتمويل التنمية".
اللجنة الخامسة هي واحدة من اللجان الست التابعة للجمعية العامة ويطلق عليها "لجنة الإدارة والموازنة"، هي لجنة فنية بحته وأن ظَل عملها محكوماً على المستوى الكلي ببعض الحساسيات السياسية، وتتخذ جميع القرارات الصادرة عنها بالتوافق بين الشركاء "مجموعة الـ77، والاتحاد الاوروبي، وأمريكا، واليابان وغيرهم" وهي لجنة تناقش الأمور المالية والإدارية لمنظمة الأمم المتحدة بكل تجلياتها، فمن عمليات إقرار الوظائف "تناقش إقرار وظيفة سائق"، إلى آليات شراء تذاكر السفر لموظفي المنظمة الدولية إلى عمليات التوظيف للمناصب العليا (undersecretary general) كذلك موازنات عمليات حفظ السلام حول العالم، وما إلى ذلك من مئات العمليات الادارية والمالية التي تدير وتنظم عمل المنظمة، وتجتمع اللجنة الخامسة بشكل رسمي في دورتين عاديتين سنويا بمتوسط شهر ونصف لكل دورة، إلى جانب اجتماعات أخرى متفرقة على مدار السنة. الدورتين العاديتين هما دورتي عمل مكثفتان، وأحيانا تتواصل الاجتماعات على مدار أربعة وخمسة أيام متواصلة، يضطر الزملاء للنوم بين الاجتماع والآخر في الغرف المختلفة داخل المقر الرئيس، والطرقات بين قاعات الاجتماعات الرئيسية، إلى جانب تواصل هذه الاجتماعات أثناء الإجازات الأسبوعية. إن خوض هذه التجربة من قبل الكادر الفلسطيني بالتأكيد سيعطي لهذا الكادر فرصة لن تتكرر لتوسيع معرفته ومعرفة زملائنا في الوزارة "من خلال التقارير" في عوالم لم تكن لتفتح أمامنا بهذا الاتساع بدون خوض تجربة الرئاسة، وبما يعنيه ذلك أيضا من معرفة وسبر أغوار فرص وآليات التوظيف والوظائف في هذه المنظمة الدولية، الأمر الذي سيعطي الفرصة لكوادر فلسطينية للمنافسة على هذه الوظائف.
سيناط بدولة فلسطين وعشية بدء الدورة 74 للجمعية العامة "تبدأ يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث لشهر سبتمبر من كل عام"، توزيع المسئوليات عن عشرات القرارات من قرارات اللجان المختلفة بين دول المجموعة، وتعيين ميسرين لكل قرار من هذه القرارات، تكون مهمتهم إعادة النظر في القرارات وموائمتها مع تقارير الأمين العام "إن وجد تقرير" أو ما حصل من تطورات عالمية في موضوعه ومن ثم عرضها على أعضاء المجموعة والإجماع على توافق نهائي بينهم بشأنه، ثم الانتقال إلى محاورة ومفاوضة الشركاء "الاتحاد الاوروبي، وأمريكا، واليابان، وكندا – وأستراليا – ونيوزيلاندا، وغيرهم" في هذه القرارات. وسيناط برئاسة المجموعة الدعوة إلى وإدارة مئات الاجتماعات وبشكل مكثف خلال شهر إلى أربعين يوماً، تمتد الكثير منها إلى ما بعد منتصف الليل، الأمر الذي سيعطي فرصة للكادر الفلسطيني لاختبار حقيقة ومعني "العمل تحت الضغط".
هذه بعض الأفكار والإضاءات التي يمكن أن تسهم بشكل أولي في توضيح ما نحن "فلسطين" مقبلون عليه، وأتوقع أنه وبانخراطنا وعلى مدار عام 2019 في إدارة أجندة عمل المجموعة، فإن الرؤية ستكون أكثر وضوحاً وتركيزا وكلي أمل أن أكون قادرا على مشاركتكم بإضاءات أخرى مركزة ومتخصصة عن عملنا كلما سمحت لي الظروف بذلك.
نيويورك، البعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الامم المتحدة.