أكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين رياض المالكي، أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل والبدء بإجراءات نقل السفارة الأميركية إلى القدس يُمثّل مكافئة للاستعمار وانتهاكا جسيما وإساءة للقانون الدولي، بما فيه ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُؤكد عدم مَشروعية حيازة الأرض بالقوة، مؤكدا أنه لن يكون هناك سلام دون إقامة الدولة الفلسطينية، والدولة الفلسطينية لن تقوم دون أن تكون القدس الشرقية عاصمتها.
وطالب المالكي، في كلمته أمام الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب، الذي انطلقت أعماله في مقر الجامعة العربية اليوم السبت، برئاسة وزير خارجية جمهورية جيبوتي – رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري العربي محمد علي يوسف، وحضور الأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط، كافة الدول بتحديد موقفها من قضية القدس بما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية.
ودعا إلى تكليف وزاري عربي للتحرك السريع تجاه عواصم الدول بما فيها الأوروبية ومطالبتها بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين باعتباره الوقت الأنسب لحماية حل الدولتين ولحماية فرصة السلام، وتعبيراً عن موقفهم الرافض لأي تغيير على حدود عام 1967، بما في ذلك ما يخص القدس، عملاً بقرارات الأمم المتحدة ومبادئ هذه الدول.
وقال المالكي إن دولة فلسطين لَتعربُ بكل قوةٍ عن رفضها القاطع للإعلان الذي أدلى به الرئيس الأميركي الذي اعترف فيه بالقدس الشريف كعاصمة لإسرائيل، تلك السلطة القائمة بالاحتلال، وإن هذا الاعتراف إنما يُشكل اعتداء على كل الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، مضيفا “إننا نعتبر الإعلان إساءة للقانون الدولي بما فيه ميثاق الأمم المتحدة الذي يُؤكد على عدم مَشروعية حيازة الأرض بالقوة، بما فيها الحقوق الأصيلة والثابتة وغير القابلة للتصرف، بما فيها حق تقرير المصير”.
وأوضح أن هذا “التغيير في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاهنا هو خرق صريح لرسالة الضمانات التي أكدت الولايات المتحدة من خلالها لمنظمة التحرير الفلسطينية التزامها بعدم الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل عام 1993، بالإضافة إلى العديد من قرارات مجلس الأمن التي لا تعترف بأي من قرارات الاحتلال الإسرائيلي غير القانونية، التي تسعى لضم القدس الشرقية”.
وقال “إن إعلان الرئيس ترامب يُمثّل مكافئة للاستعمار ولانتهاكات القانون الدولي الجسيمة، بالإضافة للخرق الممنهج لحقوق الإنسان، ويُجرّد الولايات المتحدة الأميركية من أهليتها للعب دور الوسيط في عملية السلام، وفي العمل لإنهاء الصراع في المنطقة، ويُظهر مدى تحيّز الولايات المتحدة الأميركية وعدوانيتها تجاه حقوق الشعب الفلسطيني والقانون الدولي، كما يقُصي بل ويعزل الولايات المتحدة عن بقية دول المجتمع الدولي، ويُجرّدها من أهليتها لاتخاذ أي دور قيادي في عملية السلام في المنطقة، أكانت خطيئة تنم عن جهل أو تجاهل فهذا سيان، فلا الجهل مقبول مع القدس ولا التجاهل مُحتمل”.
وأشار المالكي إلى أن ترامب “استسهل القرار فرفضه العالم وبرر خطيئته ببدع دينية فعزل نفسه وبلده عن لعب أي دور محتمل في عملية السلام، أكان اليوم أو في المستقبل، مؤكدا أننا لم نستثنيه وإنما استثنى نفسه وبلده من لعب دور الوسيط في إيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعربي – الإسرائيلي، وأنه فشل في الامتحان قبل أن يبدأ وأثبت عدم إدراكه لخطورة خطوته وانعكاساتها على فرص السلام، وعلى الأمن والاستقرار، ليس فقط في منطقتنا وإنما في العالم أجمع، فلهذا القرار توابع سياسية جسيمة وواسعة النطاق، ولن تبقى محصورة في الأرض الفلسطينية المحتلة، أو حتى في المنطقة، فهذا القرار يُضعف من مكانة المجتمع الدولي ككل، ويضرب عُمق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
وتابع المالكي “إننا نلتقي في هذا الاجتماع الطارئ لمناقشة كيفية التعاطي الجمعي العربي مع خطيئة أقدم عليها الرئيس الأميركي عن سبق إصرار بحق القدس أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي الكريم، وعاصمة دولة فلسطين الأبدية”، مؤكدا أنها “خطيئة تخطت المحتمل عربياً، وتعدت المقبول به أو المسموح له، مهما كان أو على شأنه”.
وشدد على أن “القدس أقدس الأقداس ودرة التاج، وقلب العرب النابض، مدينة السلام، مدينة كنيسة القيامة وقبة الصخرة، عاصمة دولتنا الأبدية الخالدة، المدينة التي إن قالت تحرك القاصي والداني من كل صوب، وإن نادت لبى لها النداء كل عربي ومسلم، وإن أنّتْ تداعى لها العالم أجمع، وإن غضبت فلا مُتسع لغضبها في هذا الكون”، مؤكدا “أن القدس غاضبة اليوم”.
وأضاف: “إننا نأسف على الوضع الذي وصلت إليه الإدارة الأميركية من رؤية ضيّقة لطبيعة الصراع وإمكانيات الحل، فهناك انقياد أعمى من قبل الموقف الإسرائيلي واختطاف لموقفها كدولة راعية لعملية السلام من قبل العرّاب الاسرائيلي، الذي ما انفك يتعهد ويعمل على القضاء على كل فرص السلام مهما كلّفه ذلك من جهد”.
وقال: “إننا نأسف لهذا الوضع، وهناك من يحتفل بالقرار، حيث يلتقي المتطرف اليهودي الذي يدّعي أن وعد ترامب يأتي مُكملاً لوعد بلفور، والذي جاء مكملاً لوعد الرَّبْ، مع المتطرف الداعشي الذي يرى في القرار فُرصة يتكئ عليها في مواصلة إرهابه”.
وأردف: “كما قال الرئيس محمود عباس في خطابه الأخير، فإن هذا الوعد يُمثّل مكافأة لإسرائيل على تنكرها للاتفاقات وتحديداً للشرعية الدولية وتشجيعا لها على مواصلة سياسة الاحتلال والاستيطان والأبارتهايد والتطهير العرقي، كما وتصب هذه الخطوة في خدمة الجماعات المتطرفة التي تحاول تحويل الصراع في منطقتنا إلى حرب دينية تجر المنطقة التي تعيش أوضاعاً حرجة في أتون صراعات دموية وحروب لا تنتهي”.
وأكد أن “هذا القرار إنما يُشجع منتهكي القانون الدولي، بما في ذلك الخروقات الصارخة لمبادئ حقوق الإنسان على الاستمرار باتباع هذه السياسات، كما ويستخف القرار بموقف وقرارات دول المجتمع الدولي بما في ذلك ما عبّرت عنه الأمم المتحدة، وهو سيوحي للدول المارقة بأنه بإمكانها خرق القانون الدولي وفرض وتغيير الحقائق بالقوة، وهذا سيُطلِق العنان لحقبة جديدة من العنف وعدم المبالاة بالقانون الدولي ومبادئه”.
وأوضح “أنه لا بد من كلمة لكل مَن ابتهج لهذا القرار واحتفى به وتَسرَّعَ بالقول أن هذا القرار يضمن لإسرائيل أن أيَّة مفاوضات مستقبلية ستنطلق من حقيقة جديدة أن القدس هي عاصمة لدولة اسرائيل، هنا لا بد من القول وبكل وضوح وثبات، أن أي اعلان يأتي من اسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، أو من الولايات المتحدة الأميركية بخصوص واقع مدينة القدس لن يُغير من حقيقة أن الأرض الفلسطينية المُكونة من قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، هي أرض محتلة وفق القانون الدولي، وهي حقيقة راسخة قانونيا”.
وشدد على “أن الحقوق الوطنية الفلسطينية وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني هي حقوق غير قابلة للتصرف، وهي أيضاً حقائق قانونية وسياسية راسخة بموجب القانون الدولي، وإجماع ودعم من المجتمع الدولي، ولن تتغير هذه الحقيقة بالإعلان غير القانوني للرئيس ترامب بنقل السفارة أو بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل”.
وتابع: “يجب أن نؤكد بمجال لا يدعُ للشك أنه ليس لهذا القرار أو الإعلان أو الوعد أي توابع على المكانة القانونية لمدينة القدس التي هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، أو لحقوق الشعب الفلسطينية المكفولة في القانون الدولي”.
وقال الوزير المالكي “إن دولة فلسطين لتقدّر وبشدة الرفض والمعارضة المدوية عالمياً لهذا القرار غير القانوني، وتشكر شقيقاتها الدول العربية على هذا الموقف المشرف واتصالاتها مع دولة فلسطين لتأكيد دعمها وتضامنها وتحركها السريع في عديد المستويات دعماً للموقف الفلسطيني، وطبعاً نخص بالذكر المملكة الأردنية الشقيقة ممثلةً بجلالة الملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي، التي شاركتنا في الدعوة لهذا الاجتماع وتحركت معنا في كافة المجالات، وانبرت في التصدي لتداعيات هذا القرار، كما ونشكر خصيصاً كل من جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، والمملكة المغربية، ودولة الكويت، ودولة قطر والجمهورية التونسية ولبنان الذين تواصلوا معنا خلال الأيام الماضية”.
وأكد: “إننا نتابع في دولة فلسطين ردود فعل العواصم في كافة أنحاء العالم، ونرحب بالتزام المجتمع الدولي تجاه حقوق الشعب الفلسطيني المكفولة في القانون الدولي”، مشددا على أن التزاما قانونياً وسياسياً يقع على كافة الدول برفض قرار الإدارة الاميركية غير القانوني، وفي حماية حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير غير القابل للتصرف، وسيادته على الأرض التي تحتلها إسرائيل بشكل غير قانوني منذ عام 1967، بما في ذلك قلبها العاصمة الأبدية القدس”.
وأضاف: “نتوقع من الدول الصديقة التي تعترف بدولة فلسطين، أن تؤكد على اعترافها بالدولة وعاصمتها الأبدية القدس الشرقية، علاوةً على رفضها وإدانتها لهذا القرار غير القانوني، والمسارعة في زيارة القدس عبر المؤسسات الرسمية في فلسطين”، وقال: “نأمل تبنيكم لمشروع القرار المقترح دعما لفلسطين والقدس”.
وحضر الاجتماع الى جانب المالكي، سفير دولة فلسطين لدى مصر ومندوبها الدائم بالجامعة العربية دياب اللوح، والمستشار أول مهند العكلوك، والمستشار تامر الطيب، والمستشار رزق الزعانين، والمستشار جمانة الغول، من مندوبية فلسطين بالجامعة العربية.