بلفور: جريمة القرن
أسئلة وأجوبة حول وعد بلفور المشؤوم
• من هو آرثر جيمس بلفور؟
ولد آرثر جيمس بلفور في اسكتلندا عام 1848، وهو سياسي بريطاني. شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 1902 و 1905، ووزيراً للخارجية بين عامي 1916 و 1919. كان بلفور محافظاً وذا عقيدة إيديولوجية، ومستعمراً مقرباَ من العديد من القادة الصهاينة.
• ما هو وعد بلفور؟
وعد بلفور هو الاسم الذي سميت بها الرسالة التي وقّعها بلفور في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 وأرسلت إلى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد، زعيم الجالية اليهودية البريطانية، والذي أعلن فيها عن دعم الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، السكان الأصليين في تلك الأرض.
وفيما يلي نصه الدقيق: يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.
• هل كانت فلسطين "أرضاً بلا شعب" في عام 1917؟
كانت فلسطين أرضاً تبلغ مساحتها حوالي 28،000 كيلومتر مربع، وكانت تقع تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، مثل العديد من الدول العربية والإسلامية في ذلك الوقت. وكان عدد سكانها حوالي 700.000 نسمة، 90٪ منهم كانوا من الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين الذين سكنوا هذه الأرض منذ آلاف السنين. كان معظم السكان اليهود الموجودين آنذاك يعتبرون جزءاً من السكان الفلسطينيين الأصليين - وليس صهاينة. وعلى الرغم من هذا الواقع، اعتبر وعد بلفور غالبية السكان الفلسطينيين “طوائف وتجمعات غير يهودية “.
• لكن، أشار وعد بلفور إلى منح الحقوق لكل من اليهود والفلسطينيين على أرض فلسطين، أليس كذلك؟
كلا، فقد أشار بلفور إلى “الوطن القومي للشعب اليهودي“، مما يعني أن لليهود فقط حقوق سياسية في حين أن “الطوائف والتجمعات غير اليهودية“ الأخرى لن تمنح إلا الحقوق المدنية والدينية. وفي الممارسة العملية، فإن قانون " القومية" العنصري يجسد ما جاء في وعد بلفور في حرمان ابناء شعبنا من حقوقه القومية بما في ذلك ابناء الشعب العربي الفلسطيني في اراضي الـ 48 بينما يمنح الحقوق القومية حصراً لليهود في تقرير المصير على "ارض اسرائيل" وهذا لا يعني دولتين ذات سيادة ولا يعني أيضا دولة ديمقراطية واحدة. والواقع أن ما وعد به بلفور قبل قرن من الزمان تم تنفيذه من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة وخاصة حكومة نتنياهو وهو - تنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى على ارض فلسطين التاريخية، والذي ينتهي بفرض دولة واحدة بنظامين منفصلين، أحدهما له حقوق سياسية لليهود وآخر ليس له حقوق سياسية لأنه من غير اليهود.
• ما هي تبعات وعد بلفور على الشعب الفلسطيني؟ وهل ما زالت تؤثر على حياته حتى اليوم؟
لقد تم تنفيذ الوعد على الأرض من خلال الانتقاص الفعلي لحقوق المدنيين من السكان الأصليين لصالح إحلال أشخاص آخرين منذ ذاك التاريخ حتى يومنا هذا، وساهم بشكل مبكر جداً في نفي شعبنا من جهة وفي تشكيل أركان دولة الاحتلال وتهيئة النجاحات لحروبها على شعبنا من جهة أخرى، بدءاً بالوعد المشؤوم مروراً بالنكبة عام 1948 التي شردت قسراً ما يقارب المليون فلسطيني (957.000) من وطنهم التاريخي. وبدلاً من تحقيق الاستقلال، مثلها مثل غيرها من الدول العربية والأفريقية التي نالت استقلالها في حقبة ما بعد الاستعمار، تعرضت فلسطين لاستعمار آخر سنة 1967 على يد إسرائيل.
إن البرنامج السياسي لحكومة الاحتلال الإسرائيلية يستند إلى وعد بلفور وينفذه بحذافيره، وهو: إنكار الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وحرمه من حقه في تقرير المصير على أرضه، ومحاولة الغاء وجوده وتشريده من أجل احلال المستوطنين من خلال تكثيف وتوسيع منظومة الاستيطان الاستعمارية وبنيتها التحتية المرتبطة بها، بما فيها ضم ونهب الارض والموارد، والتهجير القسري والهدم، وعزل المناطق بعضها عن بعض وعزل السكان وجعلهم يعيشون «كتجمعات» في كنتونات معزولة وهذا ما نص عليه وعد بلفور. وقد عززت إسرائيل،السلطة القائمة بالاحتلال، هذه الممارسات من خلال فرض نظامين منفصلين لمجموعتين من السكان على أساس الدين والعرق، بالاضافة الى مجموعة اخرى من القوانين والتشريعات العنصرية التي تحقق برنامجها السياسي على الجغرافيا. وهي تسيطر اليوم على فلسطين التاريخية بكاملها وعلى كل مناحي حياة الشعب الفلسطيني، وهي بذلك لا تنتهك الحقوق السياسية فحسب، بل تنتهك أيضا الحقوق المدنية والدينية التي يفترض أنها محمية بموجب وعد بلفور.
من الجدير بالذكر أن شائيم أزريل وايزمان، أول رئيس إسرائيلي، سُئل في إحدى المرات عن كيفية حصوله على وعد بلفور، وما كان يعتقده عن الفلسطينيين الأصليين. فأجاب: “لقد أخبرنا البريطانيون إن هناك حوالي مئة ألف من الزنوج“ و “لا قيمة لهم“.
وبعد بضعة سنوات من الإعلان، كتب إسرائيل زانجويل صهيوني بارز آخر بما معناه: “إذا كان اللورد شافتسبري غير دقيق حرفياً في وصف فلسطين كأرض بلا شعب، فإنه كان محقاً بشكل أساسي، لأنه لا يمكن أن يوجد شعب عربي ملتصق بأرضه، أو يعرف كيف يستخدم مواردها ويترك بصماته عليها، يوجد في أحسن الاحوال عرب رّحالة )لا يسقترون في بلد(."
لا زالت خرافة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض“ تستخدم حتى اليوم في إسرائيل، وخاصة في منظومة التعليم الإسرائيلي وأدب الأطفال.
• هل امتلكت المملكة المتحدة الحق بمنح فلسطين إلى الحركة الصهيونية؟
كلا. لا يستند وعد بلفور إلى أي أساس قانوني. واحتلت المملكة المتحدة فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى. ولا يمكن أن يفهم هذا الوعد إلا في سياق السياسة الخارجية الاستعمارية للمملكة المتحدة في ذلك الوقت.
• هل تم اعتماد وعد بلفور بالإجماع من قبل مجلس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت؟
كلا. في الواقع، العضو اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني آنذاك، السير إدوين مونتاجو، رفض تماما وعد بلفور. ووصف الصهيونية بأنها “عقيدة سياسية مؤذية لا يمكن الدفاع عنها من قبل أي مواطن وطني في المملكة المتحدة“. وتساءل مسؤولون رفيعو المستوى مثل اللورد كيرزون عما سيحدث لسكان فلسطين وقال ما معناه: “إن العرب وأجدادهم سكنوا هذه البلاد منذ 1500 سنة وهم يمتلكون ترابها، ولن يقبلوا بمصادرة ترابها لصالح المهاجرين اليهود، أو العمل لديهم كسخرة“.
في عام 1922، رفض مجلس اللوردات تأييد الانتداب البريطاني بسبب إدراج وعد بلفور. وخلال الانتداب البريطاني لفلسطين، كانت هناك أيضاً عدة توصيات من قبل المسؤولين البريطانيين لتحقيق حقوق الشعب العربي الفلسطيني.
• هل تحملت المملكة المتحدة مسؤولياتها عن وعد بلفور؟
كلا. وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة تتحمل مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية تاريخية خاصة تجاه فلسطين وشعبها، فقد تجنبت كل الحكومات المتعاقبة في المملكة المتحدة تحمل مسؤولياتها، ولم تتخذ أية خطوة لجبر الأضرار التي لحقت بالشعب الفلسطيني بما في ذلك الاعتذار.
وبدلاً من أن تشكل هذه الذكرى فرصة تاريخية لبريطانيا للتكفير عن خطأها التاريخي في إلحاق الظلم بشعب آخر والانحياز الى حق الشعوب في تقرير مصيرها ضد الاستعمار، فقد قررت الحكومة البريطانية الحالية الاحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور الأمر الذي يشكل إهانة لقيم العدالة ولشعبنا، واهانة لمبادئ حقوق الانسان والقانون الدولي الذي أعلنت التزامها بهما. وبالنسبة إلى شعبنا والشعوب الصديقة للعدالة، فإن هذه الاحتفال يعد احتفالاً علنياً بممارسة الظلم وعار الاستعمار في العصر الحديث.
• هل يوجد حاليا أية أصوات معارضة لوعد بلفور في المملكة المتحدة ؟
نعم، يوجد العديد من الاصوات المعارضة لوعد بلفور. وفيما يلي بعض الأمثلة الحالية حول أعضاء البرلمان البريطاني. هذا فى الوقت الذي وقّع فيه الآلاف من أبناء الشعب البريطانى على عريضة تدعو حكومتهم للاعتذار عن هذا الوعد، كما يناضل العديد من الافراد والمؤسسات وحركات التضامن باستمرار من اجل إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.
السير نيكولاس سوامس (نائب محافظ): "من الواضح أن شروط وعد بلفور لا تُقابَل بالتأييد فيما يتعلق بالفلسطينيين، وعلى بريطانيا أن تعلم ما مدى الضغط الشديد التي أثقلت به كاهلنا".
غراهام موريس (عضو في حزب العمل): "إن بريطانيا، بوصفها المنشئة لوعد بلفور وصاحبة انتداب فلسطين، لها علاقة تاريخية فريدة، ويمكن القول إنها مسؤولية أخلاقية تجاه شعب فلسطين وإسرائيل على حد سواء. في عام 1920، حملنا أمانة مقدسة - التزاما بتوجيه الفلسطينيين إلى الدولة والاستقلال. وكان ذلك قبل ما يقارب القرن، ولم يتم الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني حتى الان. وقد تم الاستخفاف بهذه الأمانة المقدسة لفترة طويلة جدا. "
ديفيد وارد (الحزب الليبرالي الديمقراطي): "تنتهك إسرائيل العقد المنصوص عليه في وعد بلفور الذي ينص على أنه" لا يجوز القيام بأي شيء قد يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين ". في ضوء النكبة وكل ما حصل منذ ذلك الوقت، فيبدو أن تلك مزحة مريضة".
اللورد نورمان وارنر: "لقد خلق وعد بلفور بؤساً لا نهاية له لأجيال من الفلسطينيين والملايين من المهجّرين".
• كيف تكفر المملكة المتحدة عن ذنبها، وما هي مطالبات الشعب الفلسطيني؟
يطالب الشعب والقيادة الفلسطينية الحكومة البريطانية بتحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية في تصحيح الخطأ والظلم التاريخي الذي أوقعته بشعبنا، من خلال اتخاذ خطوات عملية تبدأ أولاً في تصويب مواقفها، واحترام الحقوق السياسية لشعبنا التي انتهكها وعد بلفور، بما في ذلك دعم حق شعبنا في تقرير المصير والاستقلال. واتخاذ خطوات لمواجهة انتهاكات القانون الدولي، ورفع الحصانة عن إسرائيل ومحاسبتها وجعلها تدفع ثمن جرائمها واحتلالها واستيطانها، ودعم المبادرات والجهود الفلسطينية في المنظمات والهيئات الدولية وعدم عرقلتها بما في ذلك مجلس الأمن وخاصة فيما يتعلق بتعزبز مساءلة إسرائيل وإنفاذ قواعد القانون الدولي عليها.
ولكي تكفّر بريطانيا عن خطأها التاريخي، فالمطلوب من حكومتها الاعتذار الرسمي لشعب فلسطين والانتصاف لضحاياه، والاعتراف بدولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كأحد الشروط لحماية حل الدولتين التي تنادي بتحقيقه.
وأخيراً، فإن شعبنا الفلسطيني، كمثل العديد من المواطنين البريطانيين وشعوب العالم المناصرة للحق والعدل، يتوقع من الحكومة البريطانية عدم الاحتفال بوعد بلفور، خاصة وأن شعبنا لا زال يدفع ثمن هذا الوعد يومياً بسبب الاحتلال الاستعماري، والاحتفال بدلاً عن ذلك بإنهاء الاحتلال وتجسيد سيادة واستقلال فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.