يصادف اليوم الذكرى السنوية الثانية بعد المئوية الاولى لوعد بلفور، حيث التاريخ لم يتغير وإنما يعيد إنتاج نفسه بمسميات جديدة. هذه الأيام نسمع عن وعد جديد يوازي وعد بلفور بخطورته، وعد ترامب،كوشنير، غرينبلات، فريدمان، لمرحلة ما بعد بلفور. وعد ينهي الامل الفلسطيني ويقضي على حق الدولة واقامتها، وعد يترجم وعد بلفور عمليا ويحقق غاياته في بقاء الشعب الفلسطيني دون دولة كاقلية تعيش في كنف الدولة اليهودية. الوعد الجديد، وعد بلفور الثاني يعتمد أساسا على عناصر الأول قبل مئة وعامين، يعتمد على إنجازاته على الأرض بدعم بريطاني أوروبي في حينه، ليجد الدعم الأمريكي حاليا يحتضن الوعد ويؤسس له بكل الحقد والفجور السياسي الممكن وتقمص للدور الوظيفي للاستعمار الكولونيالي بوجه جديد. تقاسم الأدوار واعتلاء والمسيحية الصهيونية منصة الحكم في أمريكا وفرت لهذه المجموعة فرصة اقتناص الهدف وتصفية ما تبقى منه. وكأن التاريخ يعيد نفسه، استهانة بالحق الفلسطيني وتجاهل له بالمطلق، في غياب كامل لأية قدرة عربية او اسلامية للذود عن هذا الحق، مع وجود لمجموعة صغيرة يحركها الانتماء الصهيوني بغض النظر عن الدين، لخدمة الرؤية الصهيونية بالكامل في فلسطين مهما كان ثمن هذه الرؤية وترجمتها على الأوضاع في الإقليم واستقراره. الخلاف الوحيد هنا والان عن تجربة الوعد الأول وعوامله هي وجود قيادة فلسطينية واعية مستعدة لمواجهته مهما كلف ذلك من ثمن، وجاهزية شعبية وحزبية للسير خلف هذه القيادة ليس فقط في رفضها لوعد بلفور الثاني وإنما أيضا لتحمل المسئولية التاريخية في مواجهته.
لا بد من الاستفادة من التجربة الأولى للنجاح في الثانية، لا بد من استخلاص العبر والدروس الكامنة والواضحة عند دراسة ما حل بنا نتيجة وعد بلفور عام ١٩١٧، حتى نتمكن من التسلح بالقدرات والامكانيات المتاحة لمواجهة وافشال وعد بلفور الثاني. في هذه الذكرى لوعد بلفور قبل ١٠٢ عام، ليس التباكي على الماضي، وليس التذكير به، وليس تحميل المسؤولية على هذه الجهة أو تلك، وإنما في كيفية الاستفادة من تلك التجربة بمرها لكي ننجح في مواجهة ما هو قادم. حتى الآن نعتقد جازمين أن قيادتنا الشجاعة نجحت في إفشال كل المحاولات الأمريكية الإسرائيلية في فرض الوعد الجديد، صفقة القرن، على شعبنا، حتى انها افشلت قدرة العابثين بحقوقنا في الإعلان عن تلك الصفقة، وأصبح التندر بها كلمة الساعة لدى قادة العالم. في هذه الذكرى المطلوب هو التكاتف والحشد خلف هذه القيادة الشجاعة المسؤولة الجريئة الوطنية التي يمثلها رئيسنا محمود عباس في استكمال تلك المواجهة، ورفدها بالقوة والعزيمة والدعم المطلوب لتواصل تحديها في مواجهة الطاغوت الأمريكي الإسرائيلي لحقوقنا.