القدس مع نهاية العام 2017

قرن على وعد بلفور

نصف قرن من الاحتلال الاسرائيلي

الوعد الترامبي  يضع القدس في عين العاصفة

مقدمة

المتتبع لمسار العلاقات الاسرائيلية الأمريكية ومواقف الرئيس ترامب وفريقه التفاوضي تجاه ملف القدس، ورغم ما يعترى ذلك من تذبذب وتضارب في التصرفات، لم يكن من السهل عليه  توقع الخطوة التي صدرت عن البيت الأبيض حول القدس في 6 كانون اول 2017 واعتراف الرئيس الامريكي دونالد ترمب بالقدس عاصمة "لدولة الاحتلال" ضارباً بذلك ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، رغم أن "اسرائيل"  ومع التصريحات المرتبكة لرئيس وزراء كيان الاحتلال "اسرائيل"،  كانت  تعمل بكل أدواتها لتتنفيذ وعد ترامب بنقل السفارة الامريكية الى القدس، وكما ظهر ذلك جلياً في كتاب "نار وغضب" الذي صدر مؤخراً للكاتب الامريكي  مايكل وولف، فإن ترامب وأدوات الضغط عليه  كانت تعمل ليتخذ ترامب هذا القرار منذ اليوم الاول لانتخابه اواخر العام 2016.

نذكر أن دونالد ترامب فاز بالانتخابات الامريكية في التاسع من تشرين الثاني 2016  ليكون الرئيس الخامس والاربعين 45 للولايات المتحدة، وفي  الحادي عشر من كانون الاول 2016 ، اتخذ كيان الاحتلال الاسرائيلي قراراً  بخصوص احتلال القدس عام 1967، يحمل هذا الشعار مضمون ( تحرير القدس) وليس (توحيد القدس) كما كان يستخدم سابقا،  وهذا بحد ذاته  تحول ذو معنى ورسالة في ظل الكثير من التصريحات التي صدرت عن الإدارة الامريكية الجديدة بخصوص القدس كما أشرنا.

الفرق بين الشعارين لا يحتاج لكثير من  التوضيح، حيث ينسف الشعار الجديد الوضعية القانونية للقدس كارض محتلة عام 1967  بل ويقلبها رأسا على عقب،  في الوقت الذي يُجمع فيه العالم ان القدس ارض محتلة عام 1967 ؛  ولإنهاء الاحتلال تم الشروع بعملية سياسية بين الجانبين الفلسطيني  والاسرائيلي،  وضع الجانب الاسرائيلي كل جهده لنسفها بالكامل بخطوات متلاحقة. وحين يقرر الاحتلال الاسرائيلي اعتبار القدس (محررة ) فإلى جانب عدم التزامه بقرارات الشرعية الدولية فهو ينسف اساس المسيرة السياسية بالكامل. حيث ترتكز القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن  ومنها 242 و 252و 253 و 465 و 476 و 478 و 1322 و 2334  الى جانب القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية وغيرها من المنظمات المختصة وعلى رأسها اليونسكو.  على أن القدس جزء من الأراضي الفلسطيني المحتلة في الرابع من حزيران 1967، وعدم الاعتراف بأي تغيير على وضعها واعتبر كافة الاجراءات الاسرائيلية باطلة.

الأمر الأخطر هو الاجراءات والقرارات  الاحتلالية الاسرائيلية الاحلالية فيما يتعلق بالقدس، المتخذة بعد السادس من كانون الأول 2017 إلى وعد "ترامب" والمستندة الى رغبة وقرار مجلس الشيوخ الامريكي، الذي أُتبع بقرار من  حزب الليكود في اليوم الأخير من عام 2017  بإعادة احتلال محافظات الضفة الغربية!؟، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى الممارسات الاسرائيلية التي تعرقل المسار السياسي وتنسفه بالكامل، فإذا كانت القدس  جزء من الاراضي الفلسطينية المحتلة، فان ما ينطبق عليها (تحريرها - بالمفهوم الاسرائيلي) ينطبق على الضفة الغربية كذلك، وهذا تماماً ما يجب أن يفهم من قرارات حزب الليكود الحاكم الذي يتزعمة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء كيان الاحتلال.

عودة إلى بدايات العام 2017،  كانت التحضيرات والمقدمات الاسرائيلية لاعلان ترامب تتخذ وتمارس أمام أعين الوفد الامريكي الراعي للعملية السياسية، ومنها تصريحات ممثل ترامب لدى كيان الاحتلال  "فريدمان"  في سبتمر 2017 حول ما اسماه الاحتلال المزعوم وحول القدس ورسائله بالخصوص للخارجية الامريكية حول الضفة الغربية، جلية واضحة،  وكل ذلك كان بمثابة ضوء أخضر لكيان الاحتلال الذي اعاد تفعيل مشاريع استعمارية إحلالية مطروحة منذ سنوات، واتخذت توجهات تشريعية غير مسبوقة.

فعلى صعيد المسجد الاقصى المبارك،  للمرة الاولى  تم استهداف حراس المسجد الاقصى التابعين  للحكومة الاردنية، وبدأ تنفيذ عملي  لقرارات سبق اتخاذها في العام 2015  بشان المرابطين والمرابطات ،  وازدادت الاقتحامات عددا وعديدا. وجرى  لاول مرة اقتحام للمسجد الاقصى خلال شهر رمضان.

وخلال العام 2017  تم رصد 11 قرارا سياسيا وتشريعا احتلاليا  على مستويات  متباينة، غير مسبوقة بشان القدس من شان كل منها  تكريس تحول  عميق  في الاستراتيجية الاحتلالية  الاسرائيلية  بشان القدس  المعمول بها منذ العام 1967 .  وقد اسستتبعت هذه القرارات بمصادقة  الكنيست  الاحتلالي  على  ما أسماه قانون ( القدس الموحدة).

وفيما يلي تفاصيل خطوات قام بها كيان الاحتلال بشكل غير مسبوق في عام 2017 رغم خضوع المدينة للاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1967

أولاً: الشعار الرسمي لمرور نصف قرن على إحتلال القدس

كشفت صحيفة “يديعوت احرونوت”  في 15 شباط   فبراير عن قرار مسؤولة الثقافة الإسرائيلية “ميري ريغف” الكتابة على الشعار الرسمي للاحتفال بمرور 50 عاما على احتلال الجزء الشرقي من    مدينة القدس عبارة  "50 عاما على تحرير القدس"  بدل  "توحيدها".

تقليديا استخدمت حكومات الاحتلالي الاسرائيلية "العمل والليكود"  شعار(توحيد المدينة)،  لكن الشعار الجديد (تحرير القدس) الذي يُعتبر كمؤشر آخر على تجاوزات الاحتلال لكافة القرارات والمواثيق والاتفاقيات الثنائية وعدم التزامها بالعملية السياسية بل والتحريض على تفجير الوضع، استخدمته للمرة الأولى  في ذكرى احتلال القدس في حزيران 2017 أو ما يسميه كيان الاحتلال (عيد الاستقلال التاسع والستين)، والذي جرى حسب قرار حكومة الاحتلال تحت شعار (اليوبيل   الذهبي لتوحيد القدس – العاصمة الأبدية لدولة اسرائيل والشعب اليهودي). وقد استخدم ذلك سياسياً وإعلاميا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي الرسمية لكيان الاحتلال وفي الوثائق الرسمية.

ونُذكر أنه في سياق تنفيذ هذه السياسة ارتدت مسؤولة الثقافة  في 17 ايار فستاناً عليه صورة مسجد قبة الصخرة، خلال افتتاح مهرجان كانّ للأفلام السينمائيّة في فرنسا، ما ادى لحملة استهجان دولية.

ثانياً: قرار قضائي يحظر منع اليهود من الصلاة في المسجد الاقصى

وفي 26/2 قضت محكمة الصلح الاحتلالية  في القدس المحتلة، بأن المسجد الأقصى مكان مقدس لليهود ويحق لهم الصلاة فيه، فيما لا يحق لأي كان منعهم من الوصول للساحات والصعود إلى ما أسمته (جبل الهيكل)'، وقالت المحكمة في قرارها إن   'المسجد الأقصى هو أقدس مكان لليهود'.هذا القرار الذي اتخذته المحكمة الإسرائيلية  تضمن إدانة الفلسطينيتين سحر النتشة وعبير فواز بما أسماه 'منع الوصول إلى الأماكن المقدسة'، بذريعة أن السيدتين المقدسيتين هتفتا ووقفتا في وجه مجموعات من المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى عام 2014، وكانت في إحدى هذه المجموعات عضو الكنيست شولاميت معلم عن حزب 'البيت اليهودي'.   

قاضي المحكمة دان المقدسية سحر النتشة في قضية منع عضو الكنيست شولاميت معلم من الصلاة في المسجد الأقصى، وقامت المحكمة بتأسيس قرارها على ادعاءات مقتبسة من قرارات المحاكم المختلفة ومنها المحكمة العليا، بالإضافة إلى مصادر دينية يهودية منها التفسيرات الدينية لما يدعى  'الرمبام' و'المشناة التوراتية'، كما واستعملت المحكمة المفردات الدينية اليهودية لتضفي الصبغة اليهودية على المسجد الأقصى، كما وحددت المحكمة حدود قدسية المكان وفقاً للديانة اليهودية.

ثالثاً: كيان "الاحتلال" يعقد إجتماعه الاسبوعي في انفاق البراق

عقد كيان الاحتلال الاسرائيلي اجتماعه الاسبوعي يوم 28 ايار/مايو  في انفاق البراق للمرة الأولى منذ إحتلال المدينة في حزيران 1967، وصدر عن الاجتماع قرارات تتضمن مشاريع  استعمارية استيطانية   فيما يخص البلدة القديمة، وأخرى تتعلق بالتعليم في القدس.

نص البيان  في البند الاول: الطلب من مسؤول حقيبة "القدس والتراث" في كيان الاحتلال، أن يعرض على الحكومة في يوم القدس في العام المقبل 2018،  خطة شاملة لتطوير البلدة القديمة في القدس للأعوام 2018 وحتى 2024. على أن تتضمن تطوير المجال العام في البلدة القديمة، والطرق المؤدية لها، ومواقف السيارات، وتطوير اقتصادي وتجاري، وزيادة الشعور بالأمن.

الخطة تهدف الى تمويل أعمال جارية، ومشاريع بدأ تنفيذها في السنوات السابقة، وبضمن ذلك حراسة جبل الزيتون، واقامة نشاطات ثقافية، في نطاق البلدة القديمة، واقامة مصعد تحت الأرض، للربط ما بين حارة اليهود، وباحة الحائط الغربي (حائط البراق). واقامة قطار هوائي سياحي، الى منطقة القدس القديمة، في المسار ما بين منطقة المحطة الأولى في القدس الى باب المغاربة.

ونص القرار في البند الثاني حول التعليم في القدس على  زيادة غرف الصف الأول الابتدائي الجديدة، التي سيتعلم فيها الطلاب منهاج التعليم الإسرائيلي، بالتأكيد على مواضيع الانجليزية والرياضيات، المناسبة والخاضعة لرقابة وزارة التعليم، وبشكل تدريجي، بشكل يكون فيها عدد الطلاب الذين يدرسون منهاج التعليم الإسرائيلي متزايد. و في مرحلة التعليم ما فوق الابتدائي الخاضعة لرقابة التعليم الاسرائيلية  تكون بـ 20 غرفة تعليمية سنويا.  

رابعاً: احتفالية "الكنيست والكونغرس" وقرار موحد لنقل السفارة الامريكية الى القدس

لم يكن الرئيس الامريكي ترامب واقعاً تحت أي ضغط عندما القى خطابه الذي اعتبره كثير من المحللين "صفعة القرن"، غير أنه كان كما قال ينفذ سياسة أمريكية تقودها ادارته الحالية، منسجمة مع كيان الاحتلال، ونشير في هذه المسألة الى أن البث المباشر " رغم فارق التوقيت" يوم 7 حزيران 2017  لاحتفالات انشاء كيان الاحتلال  بين الكنيست والكونغرس  كان يجري بين مؤسسة واحدة، ولغة الخطاب كانت أكثر من منسجمة مع بعضها، بل تستخدم لغة المزايدات والمديح لأفكارهم "الخلاقة" المشتركة.

وهذا ما قاله رئيس مجلس النواب الامريكي عندما تحدث بصوت عال أن "القدس لن تقسم مجددا"  وامتدح   حماية اسرائيل للاماكن المقدسة لجميع الاديان. كما تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً يدعو إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام أمريكية. ونقلت مجلة "واشنطن إكزامنير" الأمريكية عن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، قوله إن "هذه الخطوة التي اتخذت أمس ستقدم دليلا لحلفائنا وأصدقائنا في إسرائيل على التزام الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانبهم".وذكرت صحيفة "بوليتكو" الأمريكية عبر موقعها الإلكتروني، أن "مجلس الشيوخ صوّت بأغلبية 90 صوتا على القرار الذي يدعو الرئيس (دونالد) ترامب وجميع المسؤولين الأمريكيين إلى الالتزام بقانون عام 1995 الذي حثّ آنذاك الرئيس بيل كلينتون على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس".